هي مدينة الضحك والنكتة وخفة الظل التي تلاعبت بجاذبية نيوتن
فتفردت بأوقيتها التي تزن 250 غراما مختلفة عن بقية المدن كما لو أنها حذت حذو عاصيها العاصي لمنطق الأنهار العابرة لسوريا بمجراه المعاكس من الجنوب إلى الشمال وأهم ما تميزت به اعتبار الأربعاء يوما للمرح لتعاكس تقليدا عربيا راسخا آنذاك
يعتبر هذا اليوم بالذات يوم شؤم ونحس فيقول ابن الحجاج ( أقول اليوم الأربعاء وقد غدا / على بوجه اغبر اللون قاتم / بعثت على الأيام نحسا مؤبدا / بشؤمك يا يوم الندى والمتحارم )
وهكذا عششت في الذاكرة الشعبية السورية علاقة حمص بالأربعاء ونوادرها . ويحكى التاريخ عن حميمة تلك العلاقة وطرافتها حتى بلغت درجة نعت أهل حمص بالمجانين في هذا اليوم وبالمجاذيب بعد التخفيف والتلطف وكان ذلك حملا على خفة الظل لا أكثر ولا أقل...........
وأولى الحكايات تروي قصة تيمورلنك عندما اجتاح حلب واستباحها فتداعى أهل حمص للتداول في هذا الخطر الداهم المقبل مع الجحافل التي أحرقت الأخضر واليابس ليجدوا حلا للمأزق كان في غاية الطرافة فاتفقوا على استقبال التتر في صورة كاريكاتورية فارتدوا أزياء غريبة الشكل مضحكة وراحوا يتفننون في الظهور بمظهر هزلي فعلقوا القباقيب على صدورهم كنياشين وحجبوا وجوههم بالغرابيل اعتمروا الجرار المكسورة واضعين أقراطا في آذانهم بأشكال مختلفة وبدأوا يرقصون في استقبال الجيش بتهريج مفرط بالهزل وبالحركات البهلوانية . وفعل ذلك المشهد الهستيري فعله ورسم علامات البسمة والدهشة على وجوه تيمورلنك ورجاله وهم بوغتوا بغرابة ما يشاهدون فسال عنهم مستشاريه وعرف انه أمام أهل حمص فقدر أن وقته اثمن من أن يضيعه مع هؤلاء المجانين . ونجا الحماصنة بقليل من الجنون المدعى وتجاوزوا بطش الباطشين بهذا المشهد الذي أتقنوا تمثيله يوم الأربعاء.
هكذا دخلت الطرافة تاريخ حمص لتطغى على الموضوعية أحيانا إذ راحت ترد كل الحوادث إلى أساس طرائفي ويروى أيضا أن أهل حمص صلوا صلاة الجمعة يوم الأربعاء أثناء سيرهم للمشاركة في حرب صفين وهي يصادف الجمعة أحد أيامها مما يمنعهم من أداء الصلاة كما قدروا .
ويذكر أن الأربعاء عيد لأحد آلهة الرومان وكان يحتفل به في منطقة الفرقلس التابعة لحمص العليلة ووصفت بالعليلة لطيب هوائها يصفها ياقوت الحموي بقوله ( ومن عجيب ما تأملت من أمر حمص فساد هوائها وتربتها اللذين يفسدان العقل حتى يضرب المثل بحماقتهم ) وربما كتب صاحب معجم البلدان ذلك متأثرا بما ذكر من فساد الهواء وبالرجوع إلى التاريخ قد نصدق كلام الرحالة الجغرافي لما عرف عن أهل حمص من شدة تقلب المزاج ومن المعلوم أن أهل حمص اخذوا الفكرة لحبهم النكتة ليس إلا , ذلك أن الضحك كما يقول رومين غراي ( هو علامة الكبرياء والإعلان بتفوق الإنسان على كل ما يحل به)